البحث

بين حرية التعبير وخطاب الكراهية: أين تنتهي الحرية وتبدأ المسؤولية؟

لا شك أنّ حرية الرأي والتعبير هي من أبرز ركائز المجتمعات الديمقراطية، فهي الحق الذي يتيح للأفراد التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية دون خوف من العقاب أو القمع. هذا الحقّ مكفول في معظم الدساتير والمواثيق الدولية، لكن في المقابل، يبرز خطاب الكراهية كوجهٍ آخر لهذه الحرية، إذ يُستخدم أحيانًا للتمييز أو التحريض على العنف ضد أفراد أو جماعات بسبب العِرق أو الدين أو الجنس أو الانتماء السياسي أو غيرها من السمات. وهنا يظهر التحدي الحقيقي: كيف يمكن التوفيق بين صون حرية التعبير من جهة، ومنع التحريض على الكراهية أو العنف من جهة أخرى؟

 تنص (المادة 19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن حرية الرأي والتعبير هي حق أساسي من حقوق الإنسان، ويشمل هذا الحق "حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية". وعليه، حرية الرأي والتعبير تعني قدرة الفرد أو الجماعة على التعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم وآرائهم وتوجهاتهم دون الخوف من أي ضغوط أو التعرض لأي عقوبات أو تمييز أو اساءة بسببها.

 تأتي حرية المعتقد بالتوازي مع حرية الرأي والتعبير، فهي مكفولة بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 18)، وتنص على "الحق في اعتناق الفرد أي دين يختاره وإظهار دينه في العبادة". وتشمل هذه الحرية، حرية اعتناق أي دين أو معتقد، أو عدم اعتناق أي منهما أو تغييرهما أو التخلي عنهما.

 إلاّ أنّ تدني مستويات الوعي المجتمعي وغياب القوانين الكافية يمكن أن يحول أي حق إلى أداة في وجه حقوق أخرى، كما أن ترك هذه الحقوق دون رسم معالم واضحة وأسس وقوانين تجعل من الصعب التمييز بين الحرية والازدراء، وبين الاعتقاد وخطاب الكراهية الذي أسهم في تأجيج العنف الطائفي والعرقي، وانتشار التطرف والعنصرية الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي هذا السياق كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد أكّد في حزيران/يونيو 2019 أنّه "على مدى السنوات الـ 75 الماضية، كان خطاب الكراهية بمثابة تمهيد لجرائم فظيعة، بما في ذلك الإبادة الجماعية، من رواندا إلى البوسنة إلى كمبوديا."

 لذلك فإنّ حرية التعبير ليست مطلقة وفقا للمعايير الدولية لحقوق الانسان قد تخضع لقيود مشروعة كما يمكن ان تخضع خلال ممارستها لبعض الإجراءات او الشروط. لذلك ومن أجل التصدي لخطاب الكراهية، تدعم الأمم المتحدة الخطاب الأكثر إيجابية وتؤيد احترام حرية التعبير كقاعدة. لذلك، يجب أن تكون أي قيود استثناء وأن تسعى إلى درء الضرر وضمان المساواة أو المشاركة العامة للجميع. إلى جانب أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ذات الصلة، تقدم خطة عمل الرباط التابعة للأمم المتحدة إرشادات رئيسية للدول حول الفرق بين حرية التعبير و "التحريض" (على التمييز والعداوة والعنف)، وهو أمر محظور بموجب القانون الجنائي. لا يزال تحديد متى تكون احتمالية الضرر عالية بما يكفي لتبرير حظر الخطاب موضع نقاش كبير. ولكن يمكن للدول أيضًا استخدام أدوات بديلة - مثل التثقيف والترويج للرسائل المضادة - من أجل معالجة النطاق الكامل للتعبير الذي ينم عن الكراهية، سواء عبر الإنترنت أو خارجها.

وفي هذا السياق أكّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في أيار/ مايو 2019 أنّ "التصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد أو حظر حرية التعبير. بل يعني منع تصعيد خطاب الكراهية من أن يتحول إلى شيء أكثر خطورة، لا سيما التحريض على التمييز والعداوة والعنف، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي".