تشهد العديد من الدول تصاعدًا خطيرًا في النزاعات الطائفية والقومية والإثنية، ما يؤدي بدرجة كبيرة إلى تنامي خطاب الكراهية الذي يُسهم في تأجيج العنف وتعزيز مظاهر التمييز والأحكام المسبقة، وقد يفضي في نهاية المطاف إلى تشجيع ارتكاب جرائم بدوافع الكراهية.
وقد أولت العديد من القوانين والمعاهدات الدولية أهمية خاصة لمكافحة خطاب الكراهية والرسائل التحريضية، باعتبارها وسيلة لردع كل من يحاول إثارة الفتنة وتغذية النزاعات المحلية.
وبما أن التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية يشكل تحدياً معقداً، فقد اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال مؤتمر الرباط عام 2012 إطاراً معيارياً مكوناً من ستة عناصر، يُستخدم كاختبار لتقدير حالات خطاب الكراهية التي تستوجب التقييد أو الملاحقة على المستوى الدولي.
من حيث المبدأ، لا يستخدم القانون الدولة عبارة "خطاب الكراهية" صراحةً في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إلا أنّ المادة 20 منه تُشكّل الأساس القانوني لذلك، إذ تنصّ على حظر أي دعوة تقوم على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية إذا ما انطوت على تحريض أو التمييز أو العداوة أو العنف.
وبناءً على ذلك، لا يحظر القانون الدولي خطاب الكراهية بحدّ ذاته، بل يشترط أن يكون من شأنه التحريض على التمييز أو العداوة. فقد يكون التصريح مخالفًا لرأي الأغلبية أو مسيئًا أو حتى يبدو كأنه ينطوي على كراهية، لكنه لا يُعتبر بالضرورة تحريضًا مباشرًا على الكراهية أو العنف، وهذا ما يجعل من تصنيف الخطاب أمراً يتطلب الكثير من التدقيق.
ومن جهتها، تعرّف الأمم المتحدة خطاب الكراهية، التي حددت 18 حزيران يومًا دوليًا للإضاءة على مخاطره وأهمّية التصدي له، بأنه "أيّ نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدراء أو تمييز، بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسيّة أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحدّدة للهوية."
أما اللجنة الدولية للقضاء على التمييز العنصري،، فقد عرفته بأنه شكل من أشكال الخطاب الموجه، يرفض المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان المتمثلة بالكرامة والمساواة ، ويسعى للتقليل من منزلة الأفراد والجماعات في نظر المجتمع".
على الصعيد القضائي عرفته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه "جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تشجع أو تبرر الكراهية على أساس التعصب بما في ذلك التعصب الديني أو التعابير التي تكون مهينة الأفراد أو الجماعات.
أما المحاكم الأمريكية فقد أوجبت حظر بعض التعبيرات في الخطابات بوصفها تحريضاً صريحاً على الكراهية، برغم ما يتمتع به حق الفرد في التعبير. فعرفته على أنه " أي تعبير يستهدف مجموعة معينة ويفصلهم عن الآخرين و يجعلهم أهدافاً للهجوم، وتجريدهم من إنسانيتهم وتحريض الآخرين ضدهم بسبب الجنس أو الدين أو العنصر"[1].
وعرفته المحكمة الجنائية الدولية لراوندا في قضية ناهيمانا بأنه " شكل من أشكال العدوان التمييزي الهادف إلى تدمير كرامة الفرد ومهاجمة المجموعة "[2].
مما سبق أعاله، يتبين أنه ليس هناك تعريف متفق عليه لخطاب الكراهية في مواثيق القانون الدولي، وهذا ما انعكس بصورة واضحة على عدم إمكانية وضع حدود فاصلة ودقيقة بين حريةالتعبير وخطاب الكراهية، فضلاً عن أن كل وثيقة دولية من الوثائق السابق ذكرها تعالج خطاب الكراهية بطريقة تختلف عن الأخرى.
وبالتالي، فإن عدم وجود تعريف محدد له في القانون الدولي يجعل منه مصطلحاً مرناً يصعب تحديد ما يمكن عده خطاباً للكراهية أم لا، وهذا بدوره يخلق اختالفا كبيرا في القوانين التي تسنها الدول لمواجهته والحد من آثاره.
طوّرت خطة عمل الأمم المتحدة لحظر التحريض على التمييز والعداء والعنف (خطة الرباط) ستّة معايير لتحديد متى يجب حظر خطاب الكراهية أو تجريمه قانونيًا. وتهدف هذه المعايير إلى الموازنة بين حرية التعبير ومنع التحريض على العنف أو التمييز، حيث لا يُحظر أي خطاب لمجرّد كونه مسيئًا، بل يجب أن تثبت خطورته، حيث يتم تقييم كل خطاب وفقًا للظروف المحيطة به، وليس بناءً على معيار واحد منفصل.
1- السياق، أي تحليل الخطاب ضمن الظروف السياسية والاجتماعية الممزامنة له، مثل النزاعات المسلحة أو الحروب.
2- المتكلّم، أي منصبه ومدى نفوذه وتأثيره. فتأثير خطابه يرتبط بموقعه الاجتماعي، أي أنه في حال كان شخصيّة عامة أو مسؤولًا سياسيًّا أو عسكرياً أو رجل دين ذو منصب مرموق فإن ون تأثير خطابه أكبر وأكثر خطورة من خطاب شخص عادي.
3- نيّة التحريض، أي توفّر القصد الواضح للتحريض على التمييز أو العنف
4- محتوى الخطاب وشكله، بما في ذلك العبارات المستخدمة والأسلوب والصور
5- مدى انتشار الخطاب، مع الأخذ في عين الاعتبار الوسيلة المستخدمة للنشر. فالنشر باستخدام الوسائل الجماهيرية من تلفزيون أو راديو أو وسائل تواصل اجتماعي يشكل خطرًا أكبر مقارنةً بالنشر ضمن نطاق محدود. إلّا أنّ حصر الخطاب ضمن مجموعة صغيرة لا يمنع في بعض الحالات من اعتباره تحريضيًا، وفقاً للمعايير الأخرى.
6- احتمال وقوع الضرر، ولا يُشترط أن يكون التحريض قد تحقّق بالفعل وأدى لوقوع ضرر، لكن يجب أن يكون هناك علاقة سببية مباشرة وواضحة بين الخطاب والفعل المحتمل.